يا سلوة الخاطر

إذا جنّ عليّ الليل أخذ الحنين يعصرني والشوق يؤرقني، فروحي قد تماهت بها لوعة، وأدمن القلب في ذكرها، أنا لم أعشقها صورة لجمالها؛ وإنما لحسن منطقها وكمال فكرها، أنا لست عاشقا انتظر وصلا من بعد فراق، ولكن انتظر فكرة من رياض أفكارها، اشتقت لسؤالها ولعتابها ولحنينها، اشتقت لورقها وحرفها وحبرها، اشتقت لهمسات كلماتها وطيف تباريحها، أبكي رسائلها التي ودعتني وهجرتني، فنار الشوق تلتهب في سماء وجداني.

 يا راحة الفكر ويا سلوة الخاطر لما ودعتِ القلم ومزقتِ الورق، يا ريحانتي كنت وردتي في صحرائي المجدبة، وكنت الندى في فلاتي القاحلة، كلماتك كانت مزمار داود في مسمعي، يا فرحة الروح ويا أحساس جرى بدمي، لا زلت اشتاق لحرفك، للحن كلماتك التي سلبت ما بقي من فكري، مري بقلمك على ذكراي واكتبي، اكتبي أشواقك وآمالك وآلامك، اكتبي ما كنت تكتبينه فكل شيء بعدك قد يبس وتكسر، اكتبي لي كي أغرد لحروفك الحسان، وأشدو لكلماتك النظرة البهية، يا بسمة الفكر لا زال دموع قلمك يجري دفاقا بين أضلعي، فلا تحرمي فكرا وروحا كانا يرتويان من قلمك واليوم أهلكهما العطش فاسقيهما من برد شرابك لعلهما يرتويان قبل أن يهلكا، وها أنا الآن أسامر النجم على ذكرى حروفك، قد توسدت بعضا من كلماتك لعلها تخفف وحشة البعد والهجران، لعلها.