‫الرئيسية‬ مقالات مقالات تربوية العلم يُنسي بعضه بعضا
مقالات تربوية - 17 أغسطس، 2021

العلم يُنسي بعضه بعضا

سعيد جبران الأشعري

كأن هناك انطباعا سيئاً عن الاطلاع الموسوعي، وهناك كلمة تراثية لا أراها موفقة تقول هذه الكلمة: (العلم ينسي بعضه بعضا)، وهذا كلام في نظري لا يستقيم لأمر يكون شرحه فيما يلي:

فالعلم يخضع في طبيعته لأمر يحتاج إدراكه إلى بصيرة وهو الخيط الناظم له، فالعلم يكون مرتبطا أوله بأخره، وآخره مرتبطا بأوله، كم أن هناك خيط أخر ناظم يربط أي العلم بالعلوم الأخرى، حيث أن العلوم تتداخل فيما بينها، بشكل يجعلها يأخذ بعضها برقاب بعض، مما يجعل منظومة العلوم منظومة متكاملة، وتكون وعيا بها وعيا معرفيا، لا مجرد معلومات تتجاور على مستوى العلم الداخلي وعلى مستوى تداخل العلوم الخارجي.

عندما يتلقى العلم الواحد بشكل معلومات غير مسبوكة سبكا معرفيا، وغير واعية حقيقية بالمفاهيم المشكلة له، فلا شك أن تتطاير تلك المعلومات التي توهم أنها علما متماسكا في ذهن متلقيه ومتعاطيه، وهذا يظهر في تماسك العلم في ذهن العلماء الكبار الذي أسسوا العلوم والمعارف في تاريخ الأمة العلمي.

ومن هنا فنحن نرى علماء يتقنون علوما كثيرة على مستوى التخصص في كل علم من تلك العلوم، وذلك راجع لإدراك منهم للخطوط الناظمة للعلوم والمعارف، فللعلوم منطقها الخاص لكل علم في ذاته، كم أن لها منطقا عاما يربط بعضها برقاب بعض، فلا تتفلت على المشتغل بها.

فالذي ينقدح في بداية الطلب كما حصل لي أن العلم على مستوى التخصص الواحد غير مترابط وأنه يخضع للحفظ الشديد المفرط فقط لعدم تماسكه، وكأنه تراكم بشكل غير منطقي، وهذا من سوء طرق التعليم التي واجهتنا في تحصيل علوم الشريعة الإسلامية.

ولما عجز كثير عن تحصيل هذه العلوم وشعر بعجزه نحوها هنا يتم استدعاء هذه العبارة (العلم ينسي بعضه بعضا)، التي ترسخ أنه لا أمل في إتقان علم من العلوم ولا أمل تحصيل أكثر من تخصص، بل كأن العلماء الذي اتقنوا كانوا على مستوى من الذكاء لا حض لنا فيه، بل أحياناً نوهم بأننا أغبياء لا قدرة لنا على شيء من العلم.

مع العلم أن ما من علم إلا وله قدر من وجوب حفظ بعض أجزائه التي لا تصعب على أحد من خلق الله، وله أجزاء تفهم لا تستعصي على أحد مهم قل ذكائه، وهذان الأمران لو يركز عليها مدرك العلوم لاختصر الشيء الكثير على محصلها، ولما قيل العلم ينسي بعضه بعضا، بل قد يدرك كثير من مفردات العلم قبل أن تقال له وقبل يقرأها بنفسه، وهذه من حسن التعليم أن يدرك كيف تنتج المعرفة.

وقد تنقدح قاعدة ما في ذهن أحدنا وفي باله وهو لا يعلم عنها شيئا بسبب إدرك منطق العلم، وقد يستنبط حكما أو يدرك معنى وهو لم يطلع عليه من قبل، ولكن هذه الحالات لم تتطور ولم تعطى حق التأمل فيها والأسباب الصحيحة المفضية إليها، بل تمر كومضة شعاع أو كطرفة عين، وتذهب ولم يخطر ببال أحدنا أن يتأمل لماذا كنت هنا أفقه من فقيه، وأنحى من نحوي، بل تذهب هذه الومضة العبقرية أدراج الرياح.

Share this:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

يا سلوة الخاطر

مبارك عامر بقنه إذا جنّ عليّ الليل أخذ الحنين يعصرني والشوق يؤرقني، فروحي قد تماهت بها لوع…